(١٨٠٥- ١٨٤٨م)
رأس الأسرة العلوية التي استمرت في حكم مصر (١٨٠٥-١٩٥٢م)، ومؤسس مصر الحديثة.
من مواليد عام ١٧٦٩ بمدينة قولة بمقدونيا (اليونان)، وهو التاريخ الذي اختاره لنفسه. وهناك من يرى أنه بعد مراجعة بعض اللوحات التذكارية – في عهده- وشاهد قبره أن تاريخ ميلاده هو عام ١٧٧٠.
كان والده إبراهيم أغا من أسرة ذات أصل ألباني، وقد صاهر والده أسرة شوربجي (محافظ) قولة، وعين لذلك رئيسًا للحرس الخاص بحراسة الطرق. وقد توفيت والدة محمد علي وهو في السادسة من عمره.
كان له سبعة عشر أخًا توفوا في حياة والدهم.
لم ينل أي قسط من التعليم، وشرع في تعلم القراءة والكتابة وهو في الخامسة والأربعين من عمره.
عمل والده بتجارة الدخان وتأجير السفن، ولما بلغ محمد علي سن العاشرة من عمره، أشركه معه في تجارة الدخان، كما أنه خلف والده في رئاسة الجنود غير النظاميين. وخلال تجارة محمد علي بالدخان تعرف على رجل من مرسيليا يدعى ليون، قنصل فرنسا في قولة، وأفادته علاقاته به في خبرته بالتجارة.
بعد وفاة والده كفله عمه طوسون، ونظرًا لما يتصف به محمد علي بالشجاعة والإقدام منذ نعومة أظفاره، فقد ألحقه عمه طوسون، الذي كان يشغل منصب حكمدار المدينة آنذاك بالشرطة، للمحافظة على الأمن بين قولة والقرى المجاورة، فتمكن بشجاعته من إجبار أهالي مدينة براوستا المجاورة لقولة من دفع الضرائب المتأخرة عليهم للحاكم، بناء على تكليف عمه، وترقى محمد علي لذلك إلى رتبة رئيس فرقة (نقيب).
حريمه وأبناؤه
اقترن محمد علي بامرأة ثرية بناء على ترشيح عمه طوسون، وتدعى أمينة بنت علي أغا شاهر من قرية نصرتلى باليونان، وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن هذا الزواج تم بعد وفاة عمه طوسون عن طريق حاكم قولة (صديق والده) الذي زوجه من ابنة صديق له وفي رواية أخرى من ابنته، وهناك رأي يرى أن محمد علي قد تربى في بيت والده، إذ مات الأخير عندما كان محمد علي في العشرين ومتزوجًا، حيث دون على شاهد قبر والده تاريخ وفاته عام ١٧٩١.
كانت أمينة قد تزوجت من قبل برجل آخر، ولكن الزواج لم يكتمل بسبب وفاة الزوج، مما أدى إلى انتشار الشائعات بأن إبراهيم لم يكن أكبر أبناء محمد علي، لكنه ابن زوجته من زوجها السابق، والحقيقة أن زوجة محمد علي رزقت بأول مولود منه وكانت بنتًا توفيت وهي صغيرة السن، وثاني مولود هو إبراهيم، وقد روج لهذه الإشاعة “دروفتى” قنصل فرنسا العام في مصر، بسبب إهانة وجهها إبراهيم إليه عام ١٨٠٧، وقد دحض “باركر” قنصل إنجلترا في مصر هذا الزعم، حيث “يجمع الشبه بين الأب والابن، ولا سيما قصر الذراعين”.
أنجبت أمينة لمحمد علي ثلاثة أبناء هم: إبراهيم (١٧٨٩-١٨٤٨م)، وأحمد طوسون (١٧٩٣-١٨١٦م)، وإسماعيل كامل (١٧٩٥-١٨٢٢م)، كما أنجبت له بنتين هما: تفيدة (١٧٩٧-١٨٣٠م) ونازلى (١٧٩٩-١٨٦٠م) ثم سافر محمد علي إلى مصر بعد ذلك.
بعد أن استقرت الأمور لمحمد علي نوعًا ما، أرسل في طلب ولديه إبراهيم وطوسون عام ١٨٠٥، كما أرسل بعد ذلك في طلب زوجته وأولاده الصغار، وهم إسماعيل وشقيقتاه عام ١٨٠٨.
إلى جانب أمينة زوجته الشرعية طيلة حياته، اتخذ الباشا لنفسه ثماني أو عشر “سراري” كان له منهن سبعة عشر ولدًا وثلاث عشرة بنتًا.
مجيء محمد علي إلى مصر
جاء إلى مصر عام ١٧٩٩ ضمن فرقة عسكرية للاشتراك بجانب الأتراك وبمساعدة الإنجليز لإخراج الفرنسيين من مصر ولكن القوات التركية انهزمت في موقعة أبو قير البرية ١٧٩٩، وعاد محمد علي لبلده.
عاد محمد علي مرة أخرى لمصر في مارس عام ١٨٠١، ضمن جيش القبطان حسين الذي جاء ليساعد الإنجليز على جلاء الفرنسيين عن مصر. واشترك في المعارك بين الإنجليز والأتراك من جانب والفرنسيين من جانب آخر، وسطعت شهرته وعلا نجمه في هجوم الجيش التركي على الرحمانية.
بقى محمد علي في مصر بعد جلاء الحملة الفرنسية (١٨٠١)، حيث ترقى أثناء ذلك إلى رتبة سرجشمة (لواء)، ثم رشح لمنصب رئيس القيادة العامة وقائد حرس القصر لدى الحاكم العام.
كيف وصل إلى عرش مصر
عقب جلاء الفرنسيين عن مصر تنازع على السلطة فيها العثمانيون والمماليك والإنجليز، فوضع محمد علي خطة تدل على ذكاء خارق وبعد نظر، وهذه الخطة تقوم على التودد إلى زعماء الشعب حتى يمكنه الوصول للحكم والقضاء على القوى المتصارعة، فقد كان ثعلبًا يتسم بالسياسة والحذر، فقد استطاع ضرب القوى المتصارعة في مصر بعضها ببعض لتحقيق أهدافه.
لتنفيذ خطته تحالف محمد علي مع طاهر باشا قائد الجند الألبان ضد خسرو باشا الوالي العثماني في مصر وأسروه، وعين طاهر بك نائبًا للوالي العثماني إلا أنه تعرض للقتل، فأصبح محمد علي قائدًا للجند الألبان.
عين أحمد باشا والي المدينة المنورة الذي كان في طريقه إلى مقر ولايته خلفًا لطاهر باشا بتعضيد من فرق الإنكشارية، فتحالف محمد علي مع المماليك ضده، إلا أنه وصلت تعليمات من الآستانة بتعيينه قائمقام على مصر لحين وصول والي جديد، فكانت ولايته ثلاث وعشرون ساعة.
· تمكن المماليك من قتل الوالي العثماني الجديد علي باشا الجزائرلي عام ١٨٠٣، ومن ثم سعى عثمان البرديسي الزعيم المملوكي (ذو الميول الفرنسية) للتقرب من محمد علي، وعقدا تحالفًا بينهما، نظرًا لعودة محمد الألفي زعيم المماليك الكبير (ذو الميول الإنجليزية) من إنجلترا عام ١٨٠٤، بعد أن مكث عامًا هناك.
· عقب عودة محمد الألفي هاجم محمد علي المماليك الموالين له واحتل الجيزة، ولم يستطع القبض على محمد الألفي الكبير، وحاول البرديسي بدوره اعتقاله ولكن الأخير فر للصعيد.
· عين عثمان البرديسي حاكمًا للقاهرة، إلا أنه أفرط في فرض الضرائب على الشعب، مما أدى إلى امتعاض الأهالي ضد المماليك، وانتهز محمد علي هذه الفرصة وتضامن مع العلماء والمشايخ مما أكسبه شعبية جارفة.
· انتهز محمد علي هذه الظروف فهاجم المماليك بالقاهرة، فهرب الجميع للصعيد، وبذلك خلا الجو لمحمد علي.
· عاد خسرو باشا الوالي العثماني السابق إلى وظيفته -بعد أن أطلق محمد علي سراحه- ولم تمض أيام حتى أرغم على مغادرة القاهرة والسفر للآستانة. وسعى محمد علي بعد ذلك للتقرب للدولة العثمانية، فاقترح عليها تعيين أحمد خورشيد محافظ الإسكندرية واليًا على مصر، ولكن وقع الخلاف بينهما منذ الوهلة الأولى فقد عجز خورشيد عن تسديد مرتبات الجنود وقاوم الأهالي محاولته لفرض أي ضرائب جديدة عليهم، مما رفع من أسهم محمد علي إذا آلت إليه السلطة، لذلك قرر العلماء عزل خورشيد في ١٣ من مايو ١٨٠٥، وطلبوا من السلطان العثماني تعيين محمد علي واليًا على مصر وعززوا طلبهم بطلب آخر.
· حاول خورشيد باشا -بمساعدة الدولة العثمانية- إبعاد محمد علي عن مصر بتعيينه واليًا على جده، ولم ينفذ قرار النقل لتعضيد العلماء له. وقد وافق السلطان العثماني على تعيين محمد علي واليًا على مصر بفرمان صادر في ٩ من يوليو عام ١٨٠٥، وعزل خورشيد من منصبه، ولكنه تحصن بالقلعة وتحالف مع المماليك ضد محمد علي.
· أرسل السلطان العثماني قائد أسطوله للإسكندرية لوضع حد للخلافات بين محمد علي وخورشيد، فكلف قائد الأسطول كاتم أسراره ببحث الأمر برمته، فأسرع دروفتي قنصل فرنسا العام بمقابلته بالإسكندرية، وأوضح له أن محمد علي هو سيد الموقف مما حدا بخورشيد باشا إلى مغادرة القلعة في ٧ أغسطس ١٨٠٥، لعدم تعضيد الدولة العثمانية له.
· طلبت إنجلترا من السلطان العثماني نقل محمد علي إلى ولاية سالونيك (مقدونيا)، وتعيين موسى باشا واليًا على مصر مع عودة المماليك لتولى السلطة وتعيين محمد الألفي شيخًا للبلد. ولذلك وصل أسطول عثماني للإسكندرية بقيادة صالح باشا قبطان ومعه عدد من الإنجليز للإشراف على هذه الترتيبات.
في هذا الوقت فشل محمد الألفي (زعيم المماليك) في الاستيلاء على دمنهور، أو في توحيد صفوف المماليك بينما تمكن محمد علي من رشوة صالح قبطان ورجال الباب العالي بالآستانة، وتعهد للباب العالي، إذا عين واليًا على مصر؛ أن يسدد أربعة آلاف كيس كجزية سنوية، وقدم ابنه إبراهيم رهينة لتنفيذ هذا الشرط، وقد عاد قائد الأسطول العثماني إلى إسطنبول في ١٨ أكتوبر ١٨٠٦ مصطحبًا الوالي العثماني موسى باشا وإبراهيم نجل محمد علي.
· ساعدت الظروف محمد علي إذ مات عثمان البرديسي في نوفمبر ١٨٠٦ الحليف الرئيسي لمحمد علي، كما مات بعده محمد الألفي زعيم المماليك الكبير في يناير ١٨٠٧.
· كان هدف الحملة الإنجليزية على الإسكندرية عام ١٨٠٧ إعادة المماليك للحكم، إلا أنها فوجئت بوفاة زعيمهم قبل حضورها، وكان محمد علي في هذا الوقت يطارد المماليك في الصعيد وتمكن من احتلال المنيا وأسيوط، وقرر العودة عقب سماعه بوصول الحملة. وقد زال الخطر الإنجليزي بهزيمتهم في رشيد والحماد، وتم الصلح بين محمد علي والإنجليز في ٧ سبتمبر ١٨٠٧، على أن يخرجوا من الإسكندرية مقابل رعاية مصالحهم التجارية وإطلاق سراح الأسرى وغير ذلك من الشروط.
· عقد محمد علي صلحًا مع شاهين بك الألفي (خليفة محمـد الألفي)، ثم مع باقي أمراء المماليك في ٥ نوفمبر ١٨٠٩، وبموجبه أن يستقروا بالقاهرة، ويدفعوا الضرائب، ولكنهم نقضوا شروط الصلح وقرروا العودة في مايو ١٨١٠ للصعيد، فقرر محمد علي ضرورة التخلص منهم قبل قيامه بحملة الحجاز، فدبر لهم مذبحة القلعة في ١ مارس ١٨١١، وبذلك تخلص من خطرهم.
من أهم أعمال محمد علي باشا على سبيل المثال لا الحصر
في مجال التعليم والثقافة
· بدأ محمد على في تكوين طبقة من المتعلمين تعليمًا عاليًا، قبل إنشاء المدارس الابتدائية والثانوية، وساعده على ذلك وجود عددًا من المتعلمين الأزهريين، فأنشأ مدرسة المهندسخانة (الهندسة) عام ١٨١٦، ومثيلاتها ببولاق عام ١٨٣٤، ومدرسة المعادن ١٨٣٤، ومدرسة الألسن ١٨٣٦، ومدرسة المحاسبة ١٨٣٧، ومدرسة الفنون والصنائع ١٨٣٩.
· أنشأ أول مدرسة حربية بأسوان ١٨٢٠، ومدرسة الطب بالقصر العيني ١٨٢٧ ومدرسة المشاة (البيادة) بالخانكة، ثم نقلت لدمياط ثم إلى أبي زعبل، ومدرسة الفرسان بالجيزة ، ومدرسة المدفعية بطرة (الطوبجية)، ومدرسة أركان الحرب بالخانكة، ومدرسة الموسيقى العسكرية، والمدرسة العسكرية المصرية بباريس ١٨٤٤.
· اهتم الباشا بأمر البعثات العلمية لنقل التقدم العلمي لمصر، فأوفد بعثة عام ١٨١٣ إلى إيطاليا لدراسة الفنون العسكرية وبناء السفن والطباعة، وكانت أول بعثة علمية منظمة أرسلت إلى أوربا عام ١٨٢٦، وأعقبها فيما بين عامي ١٨٢٦ و١٨٤٧ تسع بعثات وتكونت من ٢١٩ طالبًا ذهب معظمهم لفرنسا، واتجه الباقون لإنجلترا والنمسا، وتخصص الطلبة في هذه البعثات في الهندسة والرياضيات والطبيعيات ومختلف الصناعات والنظم الحربية والعلوم السياسية والطب والحقوق.
كان التعليم تابعًا لنظارة الجهادية فأصدر الباشا أمرًا بإنشاء مجلس لتنظيم المدارس عام ١٨٢٦، وقرر هذا المجلس تقسيم التعليم إلى ثلاث مراحل ابتدائية، تجهيزية، خصوصية، وإنشاء خمسين مدرسة ابتدائية، وإنشاء مدرستين تجهيزيتين بالقاهرة والإسكندرية، ثم أنشأ محمد علي هيئة فنية للإشراف على التعليم (مجلس شورى المدارس)، ولكن التعليم ظل تابعًا للجهادية.